المغالطات المنطقية
المقدمة
إذا
كان المنطق هو (الدراسة المنهجية لشكل الاستدلال الصحيح، وقوانين المعرفة الأكثر
شيوعاً) أو (هو آلة قانونية تحمي مراعاتُها العقلَ من الوقوع في الخطأ) كما
يعرِّفونه بكلمات مختلفة، وكلها تصب في نفس النتيجة. فإن المغالطات المنطقية هي الأخطاء
في الاستدلال لإقناع الآخر بفكرة غير صحيحة، أو إيصاله إلى نتيجة غير منطقية.
ولأن
الناس يقعون في هذه المغالطات عن علم وعمد، أو عن جهل منهم. فإن من المهم جداً أن
يتعرَّفوا على ذلك ويحملوا عنها فكرة كافية، كما يتعلمون المنطق. لكي يبعدوا
أنفسهم عن دائرة التفكير غير المنطقي. ويميزون المقابل فيما لو حاول إقناعهم
بنتائج مبنية على مغالطات منطقية.
هذه
المغالطات قد نسمعها بشكل يومي، ويلوكها الناس في حواراتهم من دون أن يلتفتوا. أو
يقعون ضحيتها من منظومة تفكير تريد بهم التعمية على الحقيقة، أو إبقاءهم في شراك
أهدافها أياً كانت.
أمثلة شائعة
لا
أريد هنا الخوض في كل المغالطات وتعريفها. لأن الكثير من الكتب والمقالات قد كتبت
عن ذلك. ويمكنكم الوصول إليها تفصيلاً بسهولة عند البحث. ومن المتيسر جداً فعل
ذلك. وستعرفون حينها كم أنها شائعة ومتداولة بشكل يومي. أو أن الكثير قد راحوا
ضحيتها ويحسبون أنها مقدمات صحيحة أنتجت لهم نتائج مؤكدة، ولكنهم كانوا واهمين، بل
غارقين بالشبهات في مختلف حقول المعرفة.
وأود
هنا تسليط الضوء على بعضها محل الابتلاء الكثير، وهي كما يأتي:
الاحتكام إلى السلطة
عندما
يشترط العلم في تقديم أي ورقة علمية أو فرضية ما، أن تكون مدعومة بالدليل
والتجربة. هذا يعني أن أي عالم حتى لو كان مشهوراً، ويشار له في الفضاء العلمي
أمثال آينشتاين أو نيوتن. لا يؤخذ بما يقدمه ونكتفي على صحة ذلك كدليل هو أن
آينشتاين قال ذلك أو نيوتن فحسب. وإنما عليه أن يقدم الدليل، ويعرض فرضيته على
التجربة ليقبل العلم بها. أما الاكتفاء بقول آينشتاين دليلاً لأنه عالم ومشهور، فهذا
توسل بالمرجعية كما يعبرون، أو هي مغالطة الاحتكام إلى السلطة.
لقد
وقعت المسيرة العلمية في بعض المطبات بسبب هذه المغالطة. وأوضحها مشكلة عدد
الكروموسومات الذي بقي على أساس كونه عند الإنسان (24) زوجاً لمدة ثلاثة عقود تقريباً،
لأن (تيوفيلوس بينتر) العالم الأمريكي قال ذلك. من دون وجود أدلة كافية. حتى وصل الأمر
بأن من فنَّد ذلك وقدَّم ما يدحضه، كان قد نصحه بعض أصدقائه بأن لا يتورَّط في
التشكيك بما قاله (تيوفيلوس بينتر) تجنباً للمشاكل. ولكن العلم انتصر وأثبت أن
العدد هو (23) زوجاً. بعد أن استمر الخطأ من عشرينيات القرن الماضي إلى خمسينياته!
هل
سمعتَ الكثيرين عندما يسمعون رأياً لأحد، يقولون له وهل أنت أعلم من فلان لنأخذ
برأيك؟ هذه هي مغالطة الاحتكام إلى السلطة. فإن الرأي العلمي يُقبل إذا كان
موافقاً للدليل والمنطق أياً كان قائله. ولا يُقبل إذا افتقر للاشتراطات العلمية
والمنطقية أياً كان قائله.
التوسل بالأكثرية
هل
سمعت بعبارة حشر مع الناس عيد؟ أو كل هذه الناس على خطأ وأنت على صواب؟ أو أن الحق
مع الأغلبية. فكل ذلك وأمثاله إنما هو من مغالطة التوسل والاستشهاد برأي الأكثرية.
فهي ليست بحجة صحيحة. ولا يمكن قبولها. ومن هنا نقل عن (برنارد شو) عندما أعطى
رأيه بالديموقراطية إذا صح هذا النقل أنه قال: (إن الديموقراطية لا تصلح لمجتمع
جاهل، لأن أغلبية من الحمير ستحدد مصيرك).
لا
تجعل من الأغلبية تؤثر على قناعاتك وقراراتك. بل اتبع عقلك والبراهين العلمية
والمنطقية.
تسميم البئر
كانت
هناك طريقة في بعض الحروب القديمة، بأن يوضع السم في البئر، حتى إذا شربه الجيش
الغازي تسمم عدد منه، ممن شربوا من هذا الماء، فيؤدي ذلك إلى إضعافهم. ومن هنا
استعاروا اسم هذه المغالطة. والتي تعني تشويه السمعة أو تسقيط شخص أمام الناس
بادعاء ما. لكي يترك الناس الاستماع لأي كلام يقوله مهما كان صادقاً. فإن كان هذا
الادعاء كاذباً فعلى الناس أن يتحققوا منه، ولا يتم قبوله على عواهنه حتى لو تحدث
عنه ملايين الناس، يحركهم شخص أو أشخاص لا يجدون غير التسقيط وسيلة لإضعاف الخصم.
وأما لو كان الادعاء صحيحاً وأن هذا الشخص قد صدر منه ذلك الفعل وأخطأ فعلاً. فهذا
لا يعني أن كل ما سوف يقوله غير صحيح. ومن هنا ورد في الحكمة: (لا تنظر إلى من قال،
وانظر إلى ما قال).
وهذه
المغالطة متداولة، من دون أن يعلم الكثير من الناس أنها مغالطة ولا ترتكز على أي
أساس عقلاني. ولا بد من رفضها والوقوف بوجهها. لأنها تؤدي إلى تضييع الكثير من
الحقائق، والحكم الجائر على الشخص المستهدف بسبب حفنة من النفوس الضعيفة التي تأبى
أن تترفع عن هذا المستوى من العداء.
الاحتكام إلى الجهل
إذا
ادعى شخص ادعاءً ما. ولم يقبل الآخر هذه الدعوى. فإن المدعي يقول للمنكر ما هو
دليلك على إنكارك؟ وبما أنك لا تملك الدليل على النفي، إذن فما أقوله صحيح. والحال
أن المدعي، عليه أن يقدم الدليل على دعواه. ولكنه يلقي عبء الإثبات على كاهل
المنكر.
ومن
أمثلة ذلك فيما لو ادعى شخص وجود الأشباح. وبما أن هذه الدعوى لم يستطع أحد نفيها،
إذن فالأشباح موجودة. أو يدعي بعضهم أن شخصاً ما، له قوى خارقة للطبيعة، ويستطيع
تحريك الأشياء عن بعد مثلاً. وبما أن أحداً لم يستطع تقديم الدليل على نفي ذلك،
إذن فذلك الشخص يملك هذه القوة فعلاً. وكل ذلك مبني على مغالطة الاحتكام إلى الجهل، أو
مغالطة عبء الإثبات.
هذه
بعض النماذج، ويمكنك أن تستنتج الآن كم منها قد مُرِّر على الكثيرين فيما قرأوا أو
سمعوا من حوارات؟ وكم نرى منها في مختلف البرامج الإعلامية اليومية، سواء من قبل
بعض المحاورين أو الضيوف؟ وكم ترتَّب على ذلك من نتائج اجتماعية سيئة في مختلف
المجالات.
الخلاصة
كن
حراً في تفكيرك، وتسلح بالعلم والمنطق. وتعرَّف جيداً على كل المغالطات لكيلا تقع
ضحيتها. فليس من المعيب أن نتعلم ونصحح بعض المسارات، إذا اكتشفنا أنها تحتاج إلى
تنقيح وتشذيب من هنا وهناك.
هل
تعلم بأن الكثير من الكتّاب والعلماء في مختلف الاختصاصات، يتراجعون عن بعض
آرائهم. ويصححون بعض أفكارهم عندما يكتشفون خطأها. ونعدّ ذلك من التقدم العلمي
وليس العكس. بل هي شجاعة في مواجهة أنفسهم، وصراحة يُشكرون عليها أمام الناس. ولا
يتمسك بآرائه الخاطئة ويدافع عنها بالرغم من معرفته ذلك، إلا الجاهل أو المتطرف أو
المستفيد.
تتضح
الصورة أكثر عندما يفكر الإنسان بعقله هو. ويتخلص من القيود التي تفرضها عليه
العواطف والقوالب الجاهزة التي يريد غيره أن يستعبده بها. وكلما ابتعد عن
المغالطات فيما يقرأ أو يستمع أو يستنتج، فإنه يكون أقرب للصحة في مسيرة حياته
التي يبقى فيها متعلماً. وليس له أن يتكبر على التعلم.
أسعد الناصري